يساعدك التسعير الصحيح للمنتجات على الوصول إلى العملاء المناسبين لمشروعك، وفي الوقت ذاته يجعلك تتأكد من قدرتك على تحقيق الربح، فهي أحد الخطوات الحاسمة في التأسيس لنجاح مشروعك التجاري. إذًا كيف يمكنك اختيار استراتيجية التسعير المناسبة لمنتجاتك؟
يعد التفكير في القيمة المقدمة (Value Proposition) من المشروع، أحد العناصر المهمة لاختيار نموذج العمل التجاري (Business Model Canvas). يلجأ بعض أصحاب المشروعات إلى التفكير في السعر كقيمة مضافة أساسية، يحاولون المنافسة بها مع بقية المشروعات. على الرغم من كون ذلك يبدو كخيار مناسب للمنافسة، والتأثير على العملاء، إلّا أنّه ليس الخيار الوحيد المناسب. لماذا؟
تخيّل أنّ مشروعًا ناشئًا في البداية، يمتلك مصروفات كثيرة نتيجة تكاليف التأسيس والإطلاق، في المقابل يواجه شركة منافسة لها وجود منذ فترة في السوق، وهو ما يعني احتمالية امتلاكها سيولة نقدية يمكنها استثمارها في الإنفاق على المشروع بطريقة أسهل من الأولى.
عندما يلجأ المشروع الناشئ إلى تقليل الأسعار، فهو سيفعل ذلك من خلال طريقتين: التقليل في الجودة، التقليل في هامش الربح النهائي.
الطريقة الأولى قد تؤثر على نجاحه في البيع، إلّا إذا كان جمهوره يبحث عن ذلك تحديدًا. الطريقة الثانية سترهقه في إطار المصاريف التي يضطر إلى تحملها. بينما الشركة المنافسة ستكون قادرة على خفض أسعارها لفترة؛ اعتمادًا على السيولة الموجودة حتى تنتصر في المنافسة على الشركة الناشئة الجديدة.
الاعتماد على السعر فقط ليس كافيًا للنجاح، فهو الخيار الأسهل في مواجهته بالنسبة للشركات الأخرى الكبيرة في السوق، كما أنّ جذب العملاء من خلال هذه الميزة قد ينقلب إلى عيب مستقبلًا، فيلجأ هؤلاء إلى شركة أخرى تقدم لهم أسعارًا الأقل. لذا، يمكن التفكير في المنافسة على السعر كأحد المميزات المقدمة، لكن بالوضع في الحسبان بقية العوامل الأخرى المؤثرة في عمليات الشراء.
لا توجد طريقة واحدة لتسعير المنتجات، لكن هناك العديد من استراتيجيات التسعير. يختلف استخدام كل واحدة، وفقًا لرؤية العمل التجاري ونوع المنتجات أو الخدمات المباعة. إليك 10 من أشهر استراتيجيات التسعير التي يمكنك استخدامها:
1- التسعير القائم على التكلفة
يعتمد التسعير بناءً على التكلفة على رصد جميع التكاليف التي تتحملها في إنتاج المنتج أو الخدمة، ثم إضافة مبلغ الربح الذي تريده على سعر بيع الوحدة من المنتج. يمكنك فعل ذلك من خلال تحديد الزيادة بالأرقام التي تضعها من اختيارك وفقًا لكل منتج تبيعه، أو بإمكانك تحديد نسبة ثابتة تطبقها على جميع المنتجات.
على سبيل المثال، إذا كنت تعمل في بيع منتجات، وكان المنتج الأول يكلفك 100 جنيه، الثاني 150 جنيهًا، الثالث 200 جنيه. واعتمدت على التسعير بإضافة 100% على سعر المنتج، فتصبح الأسعار: 200 جنيه للمنتج الأول، 300 جنيه للمنتج الثاني، 400 جنيه للمنتج الثالث.
إذا كنت تعتمد على التسعير القائم على التكلفة، فمن المهم هنا التفكير في نقطة مهمة: هل ستضيف التكاليف المباشرة لإنتاج الوحدة الواحدة المتمثلة في المواد الخام فقط؟ أم ستحسب التكلفة الإجمالية التي تشمل المواد الخام والأنشطة الأخرى مثل التسويق وغيرها؟
على الأغلب النوع الثاني هو الأفضل حسابيًا، لأنّه يمكّنك من تضمين جميع التكاليف كجزء من عملية الحساب. أيًا يكن اختيارك فمن المهم معرفة أنّ هذه الطريقة تعتمد على التوقعات بشأن عدد القطع المباعة، وذلك من أجل التأكد من تغطية التكاليف وامتلاك هامش الربح المناسب، إذ لا بد من تحديد عدد المنتجات المطلوب بيعها شهريًا لتغطية التكاليف، ثم البدء في تحقيق أرباح.
2- التسعير القائم على القيمة
يعتمد هذا النوع على تصميم الشركة للقيمة المقترحة في المشروع، ثم التسعير بناءً على رؤيتها لهذه القيمة. في هذه الحالة فهي لا تضع السعر وفقًا للتكلفة، لكن وفقًا لتقديرها لما تستحقه هذه القيمة، وتثق في أنّ العملاء سيقدرون هذه القيمة، وسيقبلون دفع الأموال بها.
تعمل الشركات في هذا النوع من التسعير على كسب ولاء العملاء وانتمائهم للعلامة التجارية، والتأثير عليهم من خلال الحملات التسويقية المختلفة، حتى يؤمنون بهذه القيمة، وبالتالي يقبلون على شرائها حتى إذا كان سعرها أعلى من المنافسين. فهم يدركون أنّ امتلاكهم للمنتج يمنحهم شعورًا بالتميز، مثل منتجات شركة أبل.
3- التسعير التنافسي
هو النوع الذي تحدثنا عنه في الفقرة الأولى، ويعتمد على التسعير كميزة مقترحة للعملاء. لا يعتمد هذا النوع على تقدير التكاليف أو القيمة المقدمة إلى العملاء في المقام الأول، ولكنه ينظر إلى المنافسين، ويحاول معرفة أسعارهم.
يناسب هذا النوع الأسواق التي يوجد فيها تشبعًا للسوق، حيث يمثل الاختلاف في السعر نقطة تميز بالنسبة للعملاء الذين يجدون العديد من الاختيارات، فيكون السعر هو عامل مهم في اتخاذ القرار. يتطلب تطبيق هذا النوع تحليل المنافسة لمعرفة الأسعار، والحرص على اختيار سعر تنافسي، إمّا أقل من المنافسين، أو في نفس مساحة الأسعار التي يقدمونها للعملاء.
4- تسعير الاشتراك الشهري/السنوي
يمكن لبعض الشركات أن تسعّر منتجاتها وخدماتها من خلال الاشتراك الشهري أو السنوي. إذ بدلًا من بيع المنتج مرة واحدة، تلجأ الشركة إلى التسعير في مقابل دفع الاشتراك دوريًا. تعد تطبيقات مشاهدة الفيديوهات مثل نتفلكس أحد هذه النماذج، فهي تعتمد على مبدأ اقتصاد العضوية لا مبدأ الملكية، الذي ينص على إتاحة جميع الخيارات للعميل، بدلًا من خيار واحد، في مقابل دفعه للاشتراك.
يمكن تنفيذ هذا الاختيار من خلال طريقتين: الأولى من خلال إتاحة بعض المميزات المجانية إلى العملاء (Freemium) وجعل الوصول إلى بقية المميزات من خلال الاشتراك المدفوع. الثانية من خلال جعل جميع المميزات مدفوعة من البداية.
على الأغلب لا تقدم الشركات خيارًا واحدًا للاشتراك، لكنّها تقدم مجموعة مختلفة من الباقات للاشتراك في الخدمة، من 3-4 خيارات غالبًا. يتطلب ذلك إيجاد فوارق فعلية بين كل باقة والأخرى، حتى يشعر العميل بالتميز في الباقات الأعلى، ويختار الأنسب لاحتياجاته الشخصية.
كذلك تتيح الاشتراك إمّا شهريًا أو سنويًا، وتضع سعر الاشتراك السنوي أقل من الاشتراك الشهري في حالة دفعه باستمرار خلال العام، لتشجّع العملاء على الاشتراك السنوي. مثلًا قد يكون الاشتراك الشهري 100 جنيه. في حالة اشترك العميل شهريًا واستمر في الدفع، ستكون المحصلة سنويًا 1200 جنيه.
في هذه الحالة تضع الشركات من البداية أنّ قيمة الاشتراك السنوي هي 900 جنيه، لتشجع العميل على التفكير في هذا الاختيار من البداية، لا سيّما إذا كان ينوي الاستمرار في الخدمة خلال العام، ولا توجد مشكلة في سعر الخدمة بالنسبة له، فبإمكانه تحمله الآن دون أي مشكلة.
الخطط والباقات التي تقدمها خدمة google drive
5- التسعير المرتفع والمنخفض
يعتمد هذا النوع من التسعير على بيع المنتجات بأسعار مرتفعة في البداية، وعندما ينخفض مستوى الطلب على المنتج، فإنّ الشركة تبدأ في وضع سعر أقل لهذا المنتج. تستخدم الشركات هذه الاستراتيجية عندما ترغب في تصفية المنتجات، أو في مبيعات نهاية العام للانشغال بالإصدارات الجديدة من المنتجات.
تلائم هذه الاستراتيجية البيع في الفترات الموسمية، إذ عندما يكون هناك طلب من العملاء على المنتج، فيتم وضع السعر المرتفع للمنتج. عندما ينخفض الطلب، يمكن تقليل السعر قليلًا. كذلك هناك نقطة أخرى في هذه الاستراتيجية، وهي أنّ العملاء يحبون الخصومات، فمن الممكن الاستفادة من ذلك في تقديم خصومات دورية إلى العملاء، للتأثير عليهم في عمليات الشراء.
6- كشط الأسعار
تتشابه هذه الاستراتيجية قليلًا مع الاستراتيجية السابقة في مسألة رفع الأسعار وخفضها، لكن الفارق أن الارتفاع والانخفاض هو سمة أساسية في الاستراتيجية السابقة. أمّا استراتيجية كشط الأسعار فتعتمد على وضع أعلى سعر للمنتج في بدايته، ثم تخفّض السعر تدريجيًا بمرور الوقت، ولا ترفعه مرة أخرى.
يمكن رؤية هذه الطريقة في الإصدارات الجديدة للهواتف لبعض الشركات، فهي تضع سعرًا أعلى في البداية، ويشتريها غالبًا العملاء المهتمين بالعلامة التجارية. ثم بعد مرور الوقت، أو ظهور إصدارات أعلى من المنتج، فإنّ الشركة تضع سعرًا أقل للإصدار السابق، فتقدر على جذب عملاء جدد إليها للشراء، الذين لا مانع لديهم من الانتظار.
7- تسعير الاختراق
يستخدم تسعير الاختراق من الشركات عند الرغبة في دخولها إلى أسواق جديدة، أو جذب عملاء آخرين للشركة، من خلال تقديم أسعارًا منخفضة للمنتجات لفترة قليلة، فهي استراتيجية تسعير مؤقتة، حتى تنجح الشركة في تحقيق أهدافها من اختراق السوق.
يجب استخدام هذه الطريقة بحذر، نتيجة أنّها قد تتضمن بعض الخسارة المؤقتة للشركة، وكذلك احتمالية عدم استمرار العملاء عند عودة الأسعار إلى أرقامها الطبيعية، بالتالي خسارة قاعدة العملاء، والعودة إلى نقطة الصفر مرة أخرى.
8- التسعير بالساعة
يستخدم التسعير بالساعة لمدى مقدمي الخدمات المختلفة مثل الاستشاريين والمدربين والمستقلين في المجالات كافة. إذ يضع الشخص قيمة للساعة، فإذا أرادت شركة توظيفه مثلًا لعدد معين من الساعات، فهي تقوم بحساب القيمة بضربها في عدد الساعات الإجمالية.
في هذه الحالة لا تتحمل الشركة مقدار الدفع للتحضير قبل بدء الخدمة. على سبيل المثال، إذا أرادت شركة توظيف مدرب لتقديم برنامج تدريبي مدته 10 ساعات، واختارت مدرب يضع سعرًا للساعة 500 جنيه، فإنّ إجمالي المبلغ سيكون 5000 جنيه، حتى إذا استغرق التحضير للتدريب وقتًا طويلًا، فهو أمر خاص بمقدم الخدمة.
9- التسعير بالمشروع
تستخدم هذه الاستراتيجية من نفس مقدمي الخدمات، لكنها تنظر إلى الأمر بالصورة الكلية وفقًا لحجم المشروع المطلوب تنفيذه. في هذه الحالة يدرس الشخص تفاصيل المشروع المطلوبة، وبناءً على المخرجات النهائية المستهدفة وقدرته على تنفيذها، يضع قيمة إجمالية للعمل على المشروع ككل.
10- التسعير الديناميكي
تعد استراتيجية التسعير الديناميكي هي استراتيجية تسعير مرنة، إذ يحدث تغير مفاجئ في الأسعار نتيجة لحجم الطلب والعملاء. تحتوي هذه الاستراتيجية على العديد من التفاصيل، فهي تتطلب دراسة عاجلة للأمر، ودراسة المنافسين وحجم الطلب سريعًا لتحديد السعر الذي سيكون مناسبًا للعميل في هذا الوقت بالتحديد.
يستخدم هذا النوع من التسعير في الفنادق وشركات الطيران وخدمات النقل التشاركي مثل شركة أوبر. إذ مثلًا في أوبر قد تجد أنّ سعر الرحلات يختلف من فترة لأخرى خلال اليوم. في الأوقات المزدحمة التي يكون فيها عدد الركاب أكبر من عدد السائقين، ترتفع الأسعار. عندما يقل الطلب ويعود الأمر إلى حالة التوازن، تقل الأسعار مرة أخرى.
كيفية تحقيق الأرباح في التسعير الديناميكي في مقابل التسعير الثابت
يحتاج قرار اختيار استراتيجية التسعير المناسبة لمنتجاتك إلى الكثير من التفكير. إذ الأمر سيؤثر على نجاح عملك من البداية، ولذلك لا بد من الانتباه إلى جميع العوامل المؤثرة والتخطيط لها جيدًا. من أهم النقاط التي تساعدك على اختيار الاستراتيجية المناسبة:
1- تحليل الأسعار
من المهم إجراء تحليل جيد للأسعار، ليس فقط في بداية اختيار استراتيجية التسعير المناسبة، لكن دوريًا للتأكد من أنّ الأمور تسير على ما يرام، وإدخال التعديلات المطلوبة في الوقت المناسب. من أهم النقاط التي لا بد من الاهتمام بها في تحليل الأسعار:
بناءً على تحليل الأسعار، سيكون لديك صورة واضحة عن السوق الحالي والأسعار في مجال تخصصك، وكذلك رصد للتكاليف المتوقعة. بناءً على ذلك يمكنك أخذ خطوة نحو اختيار استراتيجية التسعير الملائمة لمنتجاتك.
2- توقف عن الافتراضات: ما هو مدى استعداد العملاء للدفع؟
أحد الأسباب التي تؤدي إلى الذهاب مباشرةً لاستراتيجية التسعير التنافسي، هو الافتراض أنّ العملاء لا يرغبون في الدفع، وأنّهم يبحثون عن السعر الأقل دائمًا. بالطبع السعر هو عامل مهم، لكن في الكثير من الأحيان يبحث العملاء عن الجودة في المقام الأول، كما أنّ هذا الافتراض يعكس عدم دراسة تفاصيل العملاء المستهدفين في المشروع جيدًا.
لذا، في نفس الوقت الذي تجري به تحليل للأسعار من خلال بحث السوق، يمكنك التركيز على فهم عملائك أكثر، وتصميم شخصية العميل المثالي لمشروعك، والتفكير في مستواه المادي وسلوكياته، وتوجيه أسئلة إلى بعض العملاء، لقياس مدى استعدادهم للدفع بالفعل. قد يساعدك كذلك على اكتشاف أنّ العملاء يبحثون عن الجودة لا السعر في المقام الأول، فتصمم منتجاتك بالطريقة الصحيحة.
3- تحليل القيمة من المشروع
في عالم التكنولوجيا والتطور الحادث حاليًا، أصبحت القيم المقترحة من المشروعات التجارية كثيرة، وبعضها يساهم فعلًا في حل مشكلات العملاء بطريقة احترافية. لذا، من المتوقع أن يكون لديك كصاحب المشروع القدرة على الاستفادة من هذه المميزات في تسعير منتجاتك.
احرص على تحليل القيمة المقترحة من المشروع، وبيان مدى الإضافة التي تمنحها إلى العملاء من خلال المشروع، ثم حاول الاستفادة من هذه البيانات في اختيار استراتيجية التسعير المناسبة.
4- التنويع بين الاستراتيجيات
إذا كنت تقدم مجموعة مختلفة من المنتجات، فبإمكانك الاعتماد على أكثر من استراتيجية للتسعير معًا، بناءً على طبيعة المنتجات التي تقدمها وتصنيفاتها بالنسبة للعملاء. يساعدك ذلك على حسن الاستفادة من كل منتج وفقًا لمميزاته وتفاصيله الخاصة.
كذلك إذا كنت تقدم مجموعة من المنتجات أو الخدمات التي يوجد بينها روابط مشتركة، أو تعد تكميلية لبعضها البعض، فبإمكانك الاعتماد على تسعير الحزمة، من خلال وضع تسعير في حالة شراء العميل لهذه المجموعة معًا، فتكون بسعر مناسب له، وأقل من سعر شراء كل منتج على حدة.
5- تأكد من وجود هامش ربح جيد
أيًا تكن استراتيجية التسعير التي يقع اختيارك عليها، فمن المهم التأكد أنّها تمنحك هامش ربح جيد في النهاية. لأنّ ذلك هو السبيل الوحيد للاستمرار في مشروعك التجاري، وإذا لم تصل إلى هذا الأمر فستضطر إلى التعديل في أسعارك كل فترة من أجل تحقيق ذلك، وهو ما قد يعرضك لاحتمالية خسارة العملاء الذين اعتادوا على سعرك السابق.
لذا، تأكد من قدرتك على تحليل جميع الجوانب المتعلقة بالتسعير، ثم الحرص على اختيار الاستراتيجية المناسبة لك ولعملائك، فتضمن تحقيق المبيعات المستمرة، ومن ثم امتلاك عمل تجاري ناجح باستمرار، يحقق لك الأرباح.